بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لا يمكن لشيء -أي شيء- أن يستقل بحاضره عن ماضيه، فالماضي هو الذي يحوي سر النشوء والتطور، وهو الذي يهدي إلى الخصائص والصفات، وهو بهذا يكشف عن طريق المستقبل. فالماضي هو أساس الحاضر والمستقبل، ولا يمكن لشيء أن يعيش منبت الصلة عن ماضيه. وهذا القول يصدق في الجماد والحيوان والإنسان، ويصدق في الأفراد والجماعات. ولقد كان لكل أُمة من الأمم التي دخلت في الإسلام من بعد، ماضيها، بما فيه من أسرار وصفات وخصائص وعلائق، تختلف في أُمة عنها في أُخرى، بل تختلف في الأمة الواحدة من طائفة إلى أُخرى. فلما جاء الإسلام جمع هذه الأمم، التي دخلت فيه، على أُسس واحدة، فوحد بينها، فيما يجب، وبالقدر الذي يجب التوحد فيه، من عقيدة واحدة، وغاية في الحياة ومن الحياة واحدة، فصهر هذه الأمم جميعاً في بوتقته، وأخرج منها الأمة الإسلامية، بعد أن وحد بين طوائف العرب وجعل منها الأمة العربية. ولكن هذه الأمم لم تنقطع صلاتها بتاريخها قبل الإسلام، لأن ذلك غير ممكن، ومن ثم كان لها تاريخ قبل الإسلام، وتاريخ بعد الإسلام، وكانت دولة الإسلام قوية، فظلت الدولة الإسلامية متراصة متحدة متكاتفة، لا تذكر تاريخها الأول إلا كطور من أطوار حياتها جاء الإسلام فطفر بها منه درجات إلى أعلى، فهي لا تذكر ماضيها ذكر حنين عودة إليه وإنما تذكره ذكر عبرة وتدبر. ولكن شاء قدر الله أن يأتي على الدولة الإسلامية ضعف المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم، فضعفت، واختلط الأمر على بعض أبنائها -إما جهلاً منهم وإما بتأثير الأجانب- فنسبوا هذا الضعف إلى الإسلام، ومن ثم ارتفعت أصوات في