فالقرآن إن أردنا الدين، أو الدنيا، أو أردناهما معاً هو ملجؤنا: منه نستمد أُصول الأخلاق، وأُصول السياسة، وأُصول التشريع، وأُصول التربية والتعليم.
والقرآن لا يحول بيننا وبين الأخذ في مضمار الحياة الحديثة، فما وضع إلا أُصولاً، وما سن إلا قواعد.
ولسنا نقصد بقصرنا كلامنا على القرآن إنكار غيره من أُصول، ولكن لأنه الكتاب الأكبر الذي ترجع إليه هذه الأصول، وعنه تتفرع، وإليه ترد.
فإلى القرآن، إن أردنا ديننا ودنيانا، نتخذه شعاراً ومبدأ وموئلاً وميزاناً: فنحتفظ بخصائصنا التي تميزنا عن غيرنا فلا ننماع، ونمسك بالحبل الأوحد المتين الأبدي الذي يربطنا، من الفؤاد، بالدول العربية والإسلامية، ثم لا يضيرنا في علاقاتنا بالدول الأخرى.
* * *
وإذا كان البناء على الإسلام هو الأصل، فإنه يجب أن نتجه إلى تراثه فنجمعه في إخلاص وقوة، وننشره على الناس في أمانة، وندعو الناس إليه في إيمان ويقين أن العودة إليه، والبناء عليه، هو الهضبة المستقرة التي ارتفعت بنا عن أغوار الماضي، ولن يعلو لنا بناء مستقر إلا عليها.
ومنذ الماضي اهتم المسلمون، أفراداً وجماعات وحكومات، بذلك. وقد بذل الأفراد الذين اتجهوا إلى هذا وسعهم، وكذا الجماعات الأهلية. ولم تنفرد أُمة إسلامية بهذه العناية، بل وجد التراث الإسلامي من يهتم به وينشره على الناس في كل البلاد الإسلامية من الشرق إلى الغرب، مما يدل على التجاوب في هذه البلاد التى جمع بينها الإسلام، ووحد بين أهلها في منازعهم وأهوائهم.
وإنا لندعو أن تهتم الحكومات الإسلامية، والجامعة العربية، بنشر المخطوطات الإسلامية فما تغني الجهود الفردية في هذا الصدد، وننبه إلى وجوب أن يوكل هذا العمل إلى ذويه، وأن يرسم للعمل منهاج معين قائم على أساس علمي، حتى يؤتي المجهود ثمرته.