وإذا تأملت عجائب البحر وما فيه من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأشكالها ومقاديرها ومنافعها ومضارها وألوانها حتى إن فيها حيوانات أمثال الجبال لا يقوم له شيء، وحتى إن فيه من الحيوانات ما يرى ظهورها فيظن أنها جزيرة فينزل الركاب عليها فتحس بالنار إذا أوقدت فتتحرك فيعلم أنه حيوان. وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله، وفيه أجناس لا يعهد لها نظير في البر أصلاً.
هذا مع ما فيه من الجواهر، واللؤلؤ، والمرجان، فترى اللؤلؤة كيف أودعت في كن كالبيت لها وهي الصدفة تكنها وتحفظها. ومنه {اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقِعَة: 23] وهو الذي في صدفه لم تمسه الأيدي.
وتأمل كيف نبت (المَرْجَان) في قعره في الصخرة الصماء تحت الماء على هيئة الشجر.
هذا مع ما فيه من العنبر وأصناف النفائس التي يقذفها البحر وتستخرج منه.
ثم انظر إلى عجائب السفن وسيرها في البحر تشقه وتمخره بلا قائد يقودها ولا سائق يسوقها وإنما قائدها وسائقها الرياح التي يسخرها الله لإجرائها، فإذا حبس عنها القائد والسائق ظلت راكدة على وجه الماء، كما قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (?) [الشورى: 33] .