الأمراض وفسد أكثر المآكل وتقطعت المسالك والسبل. ولو دام الصحو لجفت الأبدان وغيض الماء وانقطع معين العيون والآبار والأنهار والأودية، وعظم الضرر، واحتدم الهواء فيبس ما على الأرض، وجفت الأبدان، وغلب اليبس، وأحدث ذلك ضروبًا من الأمراض عسرة الزوال. فاقتضت حكمة اللطيف الخبير أن عاقب بين الصحو والمطر على هذا العالم فاعتدل الأمر وصح الهواء ودفع كل واحد منهما عادية الآخر، وستقام أمر العالم وصلح.
ثم كيف أودعه في الأرض، ثم أخرج أنواع الأغذية والأدوية والأقوات. فهذا النبات يغذي، وهذا يصلح الغذاء، وهذا ينفذه، وهذا يضعف، وهذا سم قاتل، وهذا الشفاء من السم، وهذا يمرض، وهذا دواء من المرض، وهذا يبرد، وهذا يسخن، وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق، وهذا إذا حصل فيها ولد الصفراء واستحال إليها، وهذا يدفع البلغم والسوداء، وهذا يستحيل إليهما، وهذا يهيج الدم، وهذا يسكنه، وهذا ينوم، وهذا يمنع النوم، وهذا يفرح، وهذا يجلب الغم، وغير ذلك من عجائب النبات التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها.
وانظر إلى مجاري الماء في تلك العروق الرقيقة الضئيلة الضعيفة التي لا يكاد البصر يدركها إلا بعد تحديقه كيف يقوي قسره واجتذابه من مقره ومركزه إلى فوق، ثم ينصرف في تلك المجاري بحسب قبولها وسعتها وضيقها، ثم تتفرق وتتشعب وتدق إلى غاية لا ينالها البصر.