ثم انظر إلى تكوين حمل الشجرة ونقلته من حال إلى حال كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار ترى العجب العجاب.
فتبارك الله رب العالمين، وأحسن الخالقين. بينا تراها حطبًا قائمًا عاريًا لا كسوة عليها إذ كساها ربها وخالقها من الزهر أحسن كسوة، ثم سلبها تلك الكسوة وكساها من الورق كسوة هي أثبت من الأولى، ثم أطلع فيها حملها ضعيفًا ضئيلاً بعد أن أخرج ورقها صيانة وثوبًا لتلك الثمرة الضعيفة لتستجن به من الحر والبرد والآفات، ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذاها في تلك العروق والمجاري فتغذت به كما يتغذى الطفل بلبن أمه، ثم رباها ونماها شيئًا فشيئًا حتى استوت وكملت وتناهى إدراكها، فأخرج ذلك الجنين اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء. هذا وكم لله من آية فيما يقع الحس عليه ويبصره العباد وما لا يبصرونه. تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 7، 8] فاعتبروا يا أولي الأبصار، واتقوا الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10، 11] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.