وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا بشرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء، فتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان. للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد الله لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان- لاسمك- فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه» وفي رواية: «وأجعل ثلثه لليتامى والمساكين وابن السبيل» أخرجه مسلم.
فتأملوا كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد والدواب والطير والذر والنحل يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني، في الأرض الفلانية، بجانب الجبل الفلاني، فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش، في وقت كذا وكذا.
وتأملوا رحمكم الله: كم سخر سبحانه للسحاب من ريح حتى أمطر: فسخرت له المثيرة أوَّلاً فتثيره بين السماء والأرض، ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية، ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين كسفه وقطعه ثم يجتمع بعضها إلى بعض فتصير طبقًا واحدًا، ثم سخرت له اللاقحة فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى فيحمل الماء من وقته كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل، ولولاها لكان جهامًا لا ماء فيه.