كان؛ لأنه لا يستغني عنه لحظة واحدة، ولوا سعته وامتداده في أقطار العالم لاختنق العالم من الدخان والبخار المتصاعد المنعقد. فتأمل حكمة ربك في أن سخر له الرياح فإذا تصاعد إلى الجو أحالته سحابًا أو ضبابًا فأذهبت عن العالم شره وأذاه.
فسل الجاحدين من الذي دبر هذا التدبير، وقدر هذا التقدير. وهل يقدر العالم كلهم لو اجتمعوا أن يحيلوا ذلك ويقلبوه سحابًا أو ضبابًا أو يذهبوه عن الناس ويكشفوه عنهم؟! ولو شاء ربه تعالى أن يحبس عنه الرياح فاختنق على وجه الأرض فأهلك ما فيها من الحيوان والناس {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النّحل: 7] فاشكروه تعالى، واتقوه، واعتبروا يا أولي الأبصار.
واعلموا عباد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى ما يقال عند شدة هبوب الرياح من الدعاء الذي هو عبودية لله، واعتراف بأنها إنما تهب بأمره؛ فهو الذي أوجدها، وأمرها، وصرفها، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» فهذه حال أهل الإيمان خلافًا لحال أهل الجهل والجفاء والعصيان (?) . إن أحسن الحديث ...