وهي في قوتها أشد من الحديد والنار والماء، ومع ذلك فهي ألطف شيء وأقبل المخلوقات لكل كيفية سريعة التأثر والتأثير لطيفة المسارق بين السماء والأرض.
تأمل هذا الهواء وما فيه من المصالح؛ فإنه حياة هذه الأبدان، والممسك لها من داخل بما تستنشق منه، ومن خارج بما تِبَاشَرُ به من رَوْحِه، فتتغذى به ظاهرًا وباطنًا.
فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح؛ فإنه لولا تسخير الله لها لعباده لذوى النبات، ومات الحيوان، وفسدت المطاعم، وأنتن العالم وفسد. فسبحان من جعل هبوب الرياح تأتي بروحه ورحمته ولطفه ونعمته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرياح من روح الله تأتي بالرحمة» .
الرياح تلقح الشجر والنبات، ولواها لكانت عقيمًا، وكذلك الرياح تسير السفن ولولاها لوقفت على ظهر البحر. ومن منافعها أنها تبرد الماء، وتضرم النار التي يراد إضرامها، وتجفف الأشياء التي يحتاج إلى جفافها. وهو الحامل لهذه الروائح على اختلافها ينقلها من موضع إلى موضع، فيأتي العبد الرائحة من حيث تهب الريح. وهو أيضًا الحامل للحر والبرد اللذين بهما صلاح الحيوان والنبات.
وتأملوا الحكمة البالغة في كون الريح في البحر تأتي من وجه واحد لا يعارضها شيء؛ فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد سيرها، فإذا اختلف عليها الرياح وتصادمت وتقابلت فهو سبب الهلاك، فالمقصود بها في البحر غير المقصود بها في البر؛ في البر جعل لها ريحًا أخرى تقابلها وتكسر سورتها وحدتها،