الثالث: «السابق بالخيرات» وهو الفاعل للوجابات والمستحبات، التارك للمحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات.

وكل من هؤلاء الثلاثة مسافر إلى ربه، ومدة سفره هو عمره الذي كتب له، ثم جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر.

«فالظالم لنفسه» إذا استقبل مرحلة يومه استقبلها وقد سبقت حظوظه وشهواته إلى قلبه فحركت جوارحه طالبة لها، فإذا زاحهما حقوق ربه فتارة وتارة فمرة يأخذ بالرخصة، ومرة بالعزيمة، ومرة يقدم على الذنب وترك الحق تهاونًا ووعدًا بالتوبة؛ فهذا حال الظالم لنفسه مع حفظ التوحيد، والإيمان بالله ورسوله، واليوم الآخر، والتصديق بالثواب والعقاب فمرحلة هذا مقطوعة بالربح والخسران، وهو للأغلب منهما؛ فإذا ورد القيامة ميز ربحه من خسرانه، وحصر ربحه وحده، وخسرانه وحده، وكان الحكم للراجح منهما، وحكم الله من وراء ذلك لا يعدم منه فضله أو عدله. هذا هو عمل الظالم لنفسه ومصيره.

أما «المقتصدون» فأدوا وظيفة تلك المرحلة ولم يزيدوا عليها ولا نقصوا منها، فلا حصلوا على أرباح التجار، ولا بخسوا الحق الذي عليهم فإذا استقبل أحدهم مرحلة يومه استقبلها بالطهور التام، والصلاة التامة في وقتها بأركانها وواجباتها وشرائطها، ثم ينصرف منها إلى مباحاته ومعيشته وتصرفاته التي أذن الله فيها، مؤديًا واجب الرب فيها، غير متفرغ لنوافل العبادات وأوراد الأذكار. فإذا حضرت الفريضة الأخرى بادر إليها كذلك، فإذا أكملها انصرف إلى حاله الأول، فهو كذلك سائر يومه، فإذا جاء الليل فكذلك إلى حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015