ومنها أن العبد إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه- فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه والتضرع والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه. وقد يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين قيل لأحدهم: قل لا إله إلا الله. فجعل يهذي بالغناء والعزف، ثم قضى ولم يقلها. وقيل لبعض لاعبي القمار والعشاق العشق المحرم، فأجابوا بالجواب السيئ الذي استولى على مشاعرهم ولم يقولوا لا إله إلا الله عند آخر نفس. فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل قلبه عن ذكر الله واتبع هواه وكان أمره فرطًا.
وقد يتأخر تأثير الذنب فينسى ثم ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل، أو يكون ضرره في الدين. وإن أخر له في الآخرة فعذاب الآخرة أشد وأبقى. ذكر عبد الله بن أحمد عن ابن سيرين أنه لما ركبه الدين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة. ونظر بعض العباد إلى صبي، فتأمل محاسنه، فأتي في منامه، وقيل له: لتجدن غبها بعد أربعين سنة.
والمؤمن من لا يستصغر الذنب، قال بعض السلف ويروى مرفوعًا: «لا تنظروا في صغر الذنوب، ولكن انظروا على من اجترأتم» وقال الفضيل بن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله. وذكر البخاري في