الخطبة الثانية
الحمد لله يزيد الشاكرين، ويثيب الصابرين. أحمده سبحانه وحمدي له من نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف الخلق أجمعين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله من السلف الصالح من اختار المال للجهاد به وصرفه في وجوه البر كعبد الرحمن بن عوف وغيره من مياسير الصحابة، وكان قيس بن سعد يقول: اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى. ومنهم من اختار الفقر والتقلل كأبي ذر وجماعة من الصحابة معه، وهؤلاء نظروا إلى آفات الدنيا وخشوا الفتنة بها. والفرقة الثالثة لم تختر شيئًا، بل كان اختيارها ما اختاره الله لها ولم خير نبينا - صلى الله عليه وسلم - بين أن يكون مَلِكًا نبيًّا وبين أن يكون عبدًا رسولاً وعلم أن ربه يختار له أن يكون عبدًا رسولاً اختار ما اختاره الله فكان اختياره في جميع أموره تابعًا لاختيار الله له.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الشهر والشهرين لا يوقد في بيته نار وإنما طعامهم الأسودان التمر والماء، وكان صابرًا، ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة حتى فارق الدنيا. ثم لما فتح الله عليه الفتوح كان يمسك له ولأهله قوت سنة واحدة، وينفق ما عدا ذلك في سبيل الله، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وكل خصلة من خصال الفضل قد أحل الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أعلاها، وخصه بذروة سنامها