حقها، إما أن يقتله ذلك فيموت به قلبه ودينه إذا مات من غير توبة منه وإصلاح حال. وإما أن يقارب موته ثم يعافى وهو من أفاق من هذه السكرة وتاب قبل موته.
فالمقتصد من الدنيا يأخذ من حلالها وهو قليل بالنسبة إلى حرامها قدر بلغته وحاجته، ويجتزي من متاعها بأدونه وأخشنه، ثم لا يعود إلى الأخذ منها إلا إذا نفد ما عنده وخرجت فضلاته، فلا يوجب له هذا الأخذ ضررًا ولا مرضًا ولا هلاكًا، بل يكون ذلك بلاغًا له مدة حياته، ويعينه على التزود لآخرته، وهذا إشارة إلى مدح من أخذ من حلال الدنيا بقدر بلغته وقنع بذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «قد أفلح من هداه الله إلى الإسلام، وكان عيشه كفافًا، وقنع بذلك» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» رواه الترمذي. وروى أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً ولم أسد فقرك» وقال الحسن رحمه الله: إن قومًا أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب، فأهينوها، فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها. وقال المسيح - عليه السلام -: «لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدًا، واعبروها ولا تعمروها، واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا، ورب شهوة أورثت أهلها حزنًا طويلاً، ما سكنت قلب عبد في الدنيا إلا التاط قلبه منها بثلاثة: شغل
لا ينفك عناؤه، وفقر لا يدرك غناؤه، وأمل لا يدرك منتهاه. الدنيا طالبة مطلوبة؛ فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل