ورحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه، ومن أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور. فأصل كل طاعة إنما هو الفكر والتدبر.

و «التدبر» هو النظر في أدبار الأمور وعواقبها. و «الفكر» هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة- مثال ذلك إذا أحضر قلبه العاجلة وعيشها ونعيمها وما يقترون به من الآفات وانقطاعه وزواله، ثم أحضر في قلبه الآخرة ونعيمها ولذته ودوامه وفَضْلَهُ على نعيم الدنيا، وجزم بهذين العلمين أثمر له ذلك علمًا ثالثًا، وهو أن الآخرة ونعيمها الفاضل الدائم أولى عند كل عاقل بإيثاره من العاجلة المنقطعة المنغصة. وكذلك إذا فكر في عواقب الأمور وتجاوز فكره مبادءها وضعها مواضعها وعلم مراتبها- فإذا ورد عليه وارد الذنب والشهوة فتجاوز فكره لذَّته وفرح النفس به إلى سوء عاقبته وما يترتب عليه من الألم والحزن الذي لا يقاوم تلك اللذة والفرحة- من فكر في ذلك فلا يكاد يقدم عليه. وكذلك إذا ورد على قلبه واد الراحة والدعة والكسل والتقاعد عن مشقة الطاعات وتعبها حتى عبر بفكره إلى ما يترتب عليها من اللذات والخيرات والأفراح التي تغمر تلك الآلام استقبلها بنشاط وقوة وعزيمة. وكذلك فإذا فكر في منتهى ما يستعبده من الجاه والمال والصور ونظر إلى غاية ذلك بعين فكره استحيا من عقله ونفسه أن يكون عبدًا لذلك. وكذلك إذا فكر في آخر الأطعمة المفتخرة التي تفانت علهيا نفوس أشباه الأنعام وما يصير إليه أمرها عند خروجها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015