ارتفعت همته عن الاعتناء بها وجعلها معبود قلبه الذي إليه يتوجه وله يرضى، ويغضب ويسعى، ويكدح ويوالي ويعادي، كما جاء في المسند عن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يا ضحاك ما طعامك؟» قال يا رسول الله: اللحم واللبن. قال: «ثم يصير إلى ماذا؟» قال: إلى ما قد علمت. قال: «فإن الله تبارك وتعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا» ، وفي المسند أيضًا عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا وإن قَزّحَه وَمَلَّحَهُ فانظروا إلى ما يصير» «وإن قزحه» أي وضع فيه الأبازير.
وأنفع التفكر يا عباد الله التفكر في القرآن فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتفكر والتدبر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق، والخوف والرجاء، والإنابة، والتوكل، والرضا، والتفويض، والشكر، والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها- فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن. وهذه كانت عادة السلف وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المَائدة: 118] » .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا تهذوا القرآن هذا الشعر