الخطبة الثانية

الحمد لله الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الغر المحجلين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله- وتأملوا كم في الطهارة من حكمة ومنفعة للقلب والبدن، وتفريح للقلب، وتنشيط للجوارح، وتخفيف لما ألقاه عز النفس من درن المخالفات- فهي منظفة للقلب والروح والبدن. وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور. وتأملوا كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل- فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق، وهذه الأربعة هي أبواب المعاصي والذنوب كلها منها يدخل إليها. ثم جعل في اليدين: وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي. ثم في الرجلين اللتين بهما يمشي ويسعى. ولما كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة جعل مكانه المسح، وجعل ذلك مخرجًا للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره.

وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أظفاره» فهذا من أجلِّ حكم الوضوء وفوائده. وهو سيما هذه الأمة وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم. ولما كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى إن تحت كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015