ثم عاد إلى حاله من القيام حامدًا لربه، مثنيًا عليه بأكمل محامده وأجمعها وأعمها- مثنيًا عليه بأنه أهل الثناء والمجد، معترفًا بعبوديته، شاهدًا بتوحيده، وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه لا ينفع أصحاب الجدود والأموال والحظوظ جدودُهم عنده ولو عظمت.

ثم يعود إلى تكبيره ويخر له ساجدًا على أشرف ما فيه وهو الوجه، فيعفره في التراب ذلاً بين يديه ومسكنة وانكسارًا، وقد أخذ كل عضو من البدن حظه من هذا الخضوع حتى أطراف الأنامل ورءوس الأصابع. وندب له أن يسجد معه ثيابه وشعره فلا يكفه، وأن لا يكون بعضه محمولاً على بعض، وأن يباشر التراب بجبهته، ويكون رأسه أسفل ما فيه تكميلاً للخضوع والتذلل لمن له العز كله والعظمة كلها. وهذا أيسر اليسير من حقه على عبده، فلو دام كذلك من حين خلق إلى أن يموت لما أدى حق ربه عليه.

ثم أمر أن يسبح ربه الأعلى فيذكر علوه سبحانه في حال سفوله هو، وينزهه عن مثل هذه الحال، وأن من هو فوق كل شيء وعال على كل شيء ينزه عن السفول بكل معنى، بل هو الأعلى بكل معنى من معاني العلو. ولما كان هذا غاية ذل العبد وخضوعه وانكساره كان أقرب ما يكون الرب منه في هذه الحال، فأمر أن يجتهد في الدعاء لقربه من القريب المجيب، وقد قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العَلق: 19] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» .

ولما كان أشرف أذكار الصلاة القرآن شرع في أشرف أحوال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015