ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة ربيع القلوب، وشفاء الصدور، ونور البصائر، وحياة الأرواح- وهو كلام رب العالمين، فَيَحِلُّ به فيما شاء من روضات مونقات، وحدائق معجبات، زاهية أزهارها، مونقة ثمارها، قد ذللت قطوفها تذليلا، وسهلت لمتناولها تسهيلا- فهو يجتني من تلك الثمار خيرًا يؤمر به، وشرًا ينهى عنه، وحكمة، وموعظة، وتبصرة، وتذكرة، وعِبْرةً، وتقريرًا لحق، ودحضًا لباطل، وإزالة لشبهة، وجوابًا عن مسألة، وإيضاحًا لمشكل، وترغيبًا في أسباب فلاح وسعادة، وتحذيرًا من أسباب خسران وشقاوة، ودعوة إلى هدى، ورد عن ردى- فتنزل على القلوب نزول الغيث على الأرض التي لا حياة لها بدونه، ويحل منها محل الأرواح لأبدانها.
فأي نعيم وقرة عين ولذة قلب وابتهاج وسرور لا يحصل له في هذه المناجاة؟! والرب تعالى يسمع لكلامه جاريًا على لسان عبده، ويقول: حمدني عبدي، أثنى عليَّ عبدي، مجدني عبدي.
ثم يعود إلى تكبير ربه - عز وجل - فيجدد به عهدَ التذكرةِ كونَهُ أكبرَ من كل شيء بحق عبوديته وما ينبغي أن يعامل به.
ثم يركع حانيًا له ظهره خضوعًا لعظمته، وتذللاً لعزته، واستكانة لجبروته، مسبحًا له بذكر اسمه العظيم- فنزه عظمته عن حال العبد وذله وخضوعه، وقابل تلك العظمة بهذا الذل والانحناء والخضوع، قد تطامن وطأطأ رأسه وبسط ظهره، وربه فوقه يرى خضوعه وذله ويسمع كلامه، فهو ركن تعظيم وإجلال، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» .