فالعزيمة الصادقة والهمة العالية والنخوة والمروءة الإنسانية، وإدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال، وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص، فمتى حصل له ذلك حصل له الصبر، وهانت عليه مَشاقُّهُ وَحَلَتْ له مَرَارته.
وأما «النعمة» التي يجب عليه شكر المنعم بها عليه فكالصحة والسلامة والجاه والمال وأنواع الملاذ المباحة، هو محتاج إلى الصبر فيها بأن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، ولا تحمله على الأشر والبطر، والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله، وأن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها فمن بالغ في الأكل والشرب والجماع حرمها. وأن يصبر على أداء حق الله فيها لئلا يسلبها، وأن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكن نفسه من كل ما تريد منها. قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
وهناك صبر محرم كالصبر عن الطعام والشراب حتى يموت.
فاتقوا الله عباد الله ولازموا الصبر على المأمور، والصبر عن المحظور، والرضا بالمقدور، والشكر عند أسباب السرور، فقد ذم الله نوع الإنسان المتصف باليأس والكفر عند المصيبة، والفرح والفخر عند النعمة، ولا خلاص من هذا الذم إلا بالصبر والعمل الصالح. أعوذ بالله من الشطيان الرجيم {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هو: 9- 11] . بارك الله لي ولكم في القرآن ...