والإخلاص وتجنب دواعي الرياء والسمعة، وعقد العزم على توفية العبادة حقها بالقيام بأدائها وأركانها وواجباتها وسننها، وعلى الصبر على استصحاب ذكر المعبود فيها وأن لا يشتغل عنه بعبادته. ثم الصبر بعد الفراغ من العمل عن الإتيان بما يبطله، وأن يصبر عن رؤيتها والعجب بها، والتكبر والتعظم بها، وأن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية.
وأما «النهي» الذي يجب عليه اجتنابه وتركه فهو المعاصي كلها. وأعظم ما يعين على تركها قطع المألوفات، ومفارقة الأعوان عليها في المجالسة والمحادثة، وقطع العوائد الفاسدة. ومما يعين على الصبر إجلال الله تبارك وتعالى أن يعصى وهو يَرَى ويَسْمَع. ومنها إيثار محبة الله تعالى؛ فإن المحب لمن يحب مطيع. ومنها استحضار نعمته وإحسانه، فإن الكريم لا يقابل بإساءة من أحسن إليه. ومنها تذكر الغضب والانتقام؛ فإن الرب إذا تمادى العبد في معصيته غضب، وإذا غضب لم يقم لغضبه شيء. وكل هذه الأمور ونحوها مما يعين على ترك المعصية.
وإما الصبر على «القدر» الذي يجري عليه بغير اختياره- فكالأمراض والفقر وموت الأقارب وغيرها، فيجب عليه أن لا يتسخطها.
وهذه الثلاثة- الصبر على المأمور، والصبر عن المحظور، والصبر على المصائب- هي التي أوصى بها لقمان لابنه في قوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمَان: 17] .