الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الكبير، السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسبح له ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من بريته، وأعلاهم عنده منزلة، بلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وقام لله بالصبر والشكر حق القيام حتى بلغ رضاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى- وتقواه: فعل ما أمر، وترك ما حظر، والصبر على ما قدّر- واعلموا أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، واليسر مع العسر؛ وأن الصبر أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد، وقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب، أن يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبر أنه معهم بنصره فقال {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفَال: 46] فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة، وخصهم بالهداية دون من سواهم {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البَقَرَة: 157] فاصبروا وصابروا.
ومن لم يكن الصبر خُلُقًا له ومَلَكَةً فتكلَّفه واسْتَدْعاه وزَاوَلَه صار سجية له وطبيعة، كما في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ومن يتصبر يصبره الله» كما أنه لا يزال يتكلف الحلم والوقار