أبو حازم: نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما أعطاني منها، إني رأيته أعطى أقوامًا فهلكوا، وكل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية، وإذا رأيت الله يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره. وقال سفيان في قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعرَاف: 182] قال يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر.
وحتى المصائب تكون نعمًا باعتبار قال شريح: ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: أن لا تكون كانت في دينه، وأن لا تكون أعظم مما كانت، وانها لابد كائنة فقد كانت. وقال عبد العزيز بن ابي ثابت: رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأى ما شق علي منها. فقال: أتدري ماذا علي في هذه القرحة من نعمة حين لم يجعلها في حدقتي، ولا طرف لساني، ولا على طرف ذكرتي. فهانت علي قرحته؟
والرب تعالى يذكر عبده يوم القيامة بأنواع نعمه التي أنعم بها عليه قال حماد بن زيد، حدثنا ليث، عن أبي بردة، قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال لي: ألا تدخل بيتًا دخله النبي - صلى الله عليه وسلم - ونطعمك سويقًا وتمرًا. ثم قال: إن الله إذا جمع الناس غدًا ذكرهم بما أنعم عليهم. فيقول العبد: ما آية ذلك؟ فيقول: آية ذلك أنك كنت في كربة كذا وكذا فدعوتني فكشفتها، وآية ذلك أنك كنت في سفر كذا وكذا فاستصحبتني فصبحتك. قال: يذكره حتى يذكر. فيقول آية ذلك أنك خطبت فلانة بنت فلان وخطبها معك خطاب فزوجتك ورددتهم. يَقِفُ عَبْدَهُ بين يديه فيعدد عليه نعمه. فبكى، ثم بكى. ثم قال إني لأرجو الله أن لا يقعد الله عبدًا بين يديه فيعذبه.