ولو يتقصَّى ربنا في المحاسبة على النعم لنفدت الحسنات بأقل نعمة في البدن؛ فإن أعمال العبد لا توافي نعمة من نعم الله عليه، ولهذا في الحديث الصحيح «لن ينجي أحدًا منكم عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» وكان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: أصبحنا مغرقين بالنعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنا، ونتمقت إليه ونحن محتاجون. وروى الجريري عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل وهو يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة. فقال: ابن آدم! هل تدري ما تمام النعمة؟ قال: يا رسول الله دعوة دعوة أرجو بها الخير. فقال: إن تمام النعمة فوز من النار ودخول في الجنة» .
فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله، والشكر عند النعماء. وليحذر المؤمن من نسبة النعم إلى غير الله، أو يظن أنها حصلت بمجرد الصدفة، أو يقول هذا بعملي وأنا محقوق به. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما من عبد توكل بعبادة الله إلا عزم الله السموات والأرض تعبر رزقه فجعله في أيدي بني آدم يعملونه حتى يدفع عنه إليه، فإن العبدَ قبله أوجب عليه الشكر، وإن أباه وجد الغني الحميد فقراء يأخذون رزقه ويشكرونه له.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ