الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام الطيب عافته، فإذا قام الرجل عن رجيعة ولغت فيه، فلذلك تجد في الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظة واحدة منها، وإن أخطأ رجل تراواه وحفظه. قال الخطابي: ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذا الحكم أن المراد المماثلة في الطبائع والأخلاق.
والله سبحانه جعل بعض الدواب كسوبًا محتالًا، وبعضها متوكلاً غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنة، وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقًا مضمونًا وأمرًا مقطوعًا. وبعضها يدخر وبعضها لا كسب له. وبعض الذكورة يعول ولده، وبعضها لا يعرف ولده البتة. وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضع ولدها وتكفل ولده غيرها. وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه وبعضها لا يلتمس الولد، وبعضها يستفرغ الهم في طلبه. وبعضها يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها ليس ذلك عنده شيئًا. وبعضها يؤثر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمه من جنسه لم يدع أحدًا يدنو منه. وبعضها يحب الفساد ويكثر منه، وبعضها لا يفعله إلا في السنة مرة. وبعضها يقتصر على أنثاه، وبعضها لا يقف على أنثى ولو كانت أمه أو أخته. وبعضها لا تمكن غير زوجها من نفسها، وبعضها لا ترد يد لامس. وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم، وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار. وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعضها لا يأكل إلا الخبائث، وبعضها يجمع بين الأمرين.