الطريق، فإذا ظفرت به حملته وساقته في طريق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط في غاية من التوعر حتى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان، فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلا ينبت، فإن كان ينبت مع فلقه باثنين فلقته بأربعة، فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد انتظرت به يومًا ذا شمس فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها، ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها. ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النملة التي سمع سليمان عليه السلام كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] فجمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون، وبين لو أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم، ولذلك تبسم سليمان ضاحكًا من قولها، وإنه لموضع تعجب وتبسم. ومن عجب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق السموات على عرشه، كما رواه الإمام أحمد في «كتاب الزهد» من حديث أبي هريرة يرفعه قال: «خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك، ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا وأما أن تهلكنا. فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015