الرجلين للمشي، واليدين للبطش والعمل، واللسان للكلام، والأذن للاستماع، والعين لكشف المرئيات، وكل عضو لما خلق له. وهدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، وهدى الولد إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه، وهداه إلى معرفة أمه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت، والقصد إلى ما ينفعه من المراعى دون ما يضره منه، وهدى الطير والوحش إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان. ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو. فتبارك الله رب العالمين.

وهدى «النحل» أن تتخذ من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومن الأبنية ثم تسلك سبل ربها مذللة لها لا تستعصي عليها ثم تأوي إلى بيوتها، وهداها إلى طاعة يعسوبها واتباعه والائتمام به أين توجه بها، ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصنعة المحكمة البناء.

ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم. وانتقل من معرفة هذه الهداية إلى إثبات «النبوة» و «المعاد» بأيسر نظر وأول ولهة، وأحسن طريق وأخصرها وأبعدها عن كل شبهة، وأن من هدى هذه الحيوانات هذه الهداية التي تعجز عقول العقلاء عنها لا يليق به أن يترك هذا النوع الإنساني الذي هو خلاصة الوجود الذي كرمه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً مهملا وسدى معطلا لا يهديه إلى أقصى كمالاته وأفضل غاياته. وهذا أحد ما يدل على إثبات المعاد بالعقل والشرع.

وهذا النمل من أهدى الحيوانات، وهدايتها من أعجب شيء؛ فإن النملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015