ثم أنزل إلى «الأنف» وتأمل شكله وخلقه، وكيف نصبه سبحانه في وسط الوجه قائمًا معتدلاً في أحسن شكل وأوفقه للمنفعة، وفتح فيه بابين، وأودع فيهما حاسة الشم التي يدرك بها الروائح وأنواعها وكيفياتها ومنافعها ومضارها، ويستدل بها على مضار الأغذية والأدوية ومنافعها، ويعين أيضًا على تقطيع الحروف (?) . وجعله مصبًا للفضلات النازلة من الدماغ لتستريح منها، وستره بساتر أبدي لئلا تبدو تلك الفضلات في عين الرائي. وأيضًا فإنه يستنشق بالمنخرين الهواء البارد والرطب فيستغني بذلك عن فتح الفم (?) والهواء الذي يستنشقه ينزل إلى المنخرين فينكسر برده فيهما، ثم يصل إلى الحلق فيعتدل مزاجه هناك، ثم يصل إلى الرئة ألطف ما يكون، فإذا أخذت الرئة ما تحتاجه من الهواء عاد من الرئتين إلى الحلقوم، ثم إلى المنخرين.
ولم يضيع أحكم الحاكمين ذلك «النَّفَس» بل جعل إخراجه سببًا لحدوث الصوت، ثم جعل سبحانه في الحنجرة واللسان والحنك باختلاف الصوت فيحدث الحرف، ثم ألهم الإنسان أن يركب ذلك الحرف إلى مثله ونظيره فيحدث الكلمة، ثم ألهمه تركيب تلك الكلمة إلى مثلها فيحدث الكلام الدال على أنواع المعاني.