والأمم في هذا المحل الصغير، والإنسان يحفظ كتبًا كثيرة، وعلومًا شتى متعددة، وصنائع مختلفة من غير أن يختلط بعض هذه الصور ببعض.
ثم انزل إلى «العين» وتأمل عجائبها وشكلها وإيداع النور الباصر فيها، وتركيبها من عشر طبقات، ركبها سبحانه في أعلا مكان من الرأس بمنزلة طليعته والكاشف والرائد له، وجعل سبحانه موضع الإبصار في قدر العدسة، ثم أظهر في تلك العدسة قدر السماء والأرض والجبال والبحار والشمس والقمر، وجعل داخل ماء العين مالحًا لئلا تذيب الحرارة الدائمة ما هناك من الشحم، وجعلها مصونة بالأجفان لتسترها وتحفظها وتصقلها وتدفع الأقذار عنها، وجعل شعر الأجفان أسود ليكون سببًا لاجتماع النور الذي به الإبصار، وأبلغ في الحسن والجمال. وخلق سبحانه لتحرك الحدقة ستة عضلات لو نقصت واحدة منها لاختل أمر العين. ومع ذلك فيستدل
بأحوال العين على أحوال القلب من رضاه وغضبه وحبه وبغضه ونفرته.
ثم اعدل إلى «الأذنين» وهما رسولا القلب، وتأمل شقهما في جانبي الوجه، وخلقهما، وإيداعهما القوة السمعية، يدركان بها المعاني الغائبة التي ترد على العبد من أمامه ومن خلفه وعن جانبيه، وإيداع الرطوبة فيهما، وجعلها مرة لتمتنع الهوام عن الدخول فيهما، وحوَّطهما سبحانه بصدفتين يجمعان الصوت ويؤديانه إلى الصماخ، وجعل في الصدفتين تعريجات لتطول المسافة فتكسر حدة الصوت، ولئلا يفاجئهما الداخل إليهما من الدواب والحشرات.