الجهل فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة التوحيد على ربه ناطقات، شاهدة لمدبره، دالةٌ عليه، مرشدةٌ إليه، إذ يجده مكونًا من قَطرة ماءٍ: لحومًا منضده، وعظامًا مركبه، وأوصالاً متعددة، مأسورة مشددة بحبال العروق والأعصاب جمعت بجلد متين، مشتملاً على ثلاثمائة وستين مفصلاً: ما بين كبير وصغير، وثخين، ودقيق، ومستطيل ومستدير ومستقيم ومنحن، وشد هذه الأوصال بثلاثمائة وستين عرقًا (أعصاب) للاتصال والانفصال، والقبض والبسط، والمد والضم، والصنائع والكتابة. وجعل فيه عشرة أبواب: فبابان للسمع وبابان للبصر، وبابان للشم، وبابان للطعام والشراب والتنفس، وبابان لخروج الفضلات التي يؤذيه احتباسها.
عباد الله لننظر في هذه الأعضاء ومنافعها بالتفصيل. ابدأ: «بالرأس» : تأمل هذه القبة العظيمة التي ركبت على المنكبين، وما أودع فيها من العجائب، وما ركب فيها من الخزائن، وما أودع في تلك الخزائن من المنافع، وما اشتملت عليه من العظام المختلفة الأشكال والصفات والمنافع، ومن الرطوبات، والأعصاب، والطرق والمجاري، والدماغ، والمنافذ والقوى الباطنة: من الذكر، والفكر، والتخيل، وقوة الحفظ (?) .
وذلك من أعظم آيات الله وأدلته وحكمته كيف ترتسم صورة السموات والأرض والبحار والشمس والقمر والأقاليم والممالك