قالوا: ثم وجدناه يعظم إنجيلنا ويقدم صوامعنا ويشرف مساجدنا ويشهد بأن اسم الله يذكر فيها كثيرًا وذلك مثل قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: 40).

{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 27).

وذلك يدل على أن النصارى - في زعمهم - على الحق، فلا ينبغي لهم العدول عما هم عليه؛ لأن العدول عن الحق إنما يكون للباطل.

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: ذكر الله يكون في المسجد، وإذا ذكر في الصوامع والبيع فهي على العهد الأول قبل التبديل والتحريف.

قال ابن تيمية: إن فيها - الآية - ذكر الصوامع والبيع، وأما قوله: (ويذكر فيها اسم الله كثيرًا فإنما ذكره عقب ذكره المساجد، والمساجد للمسلمين، وليس المراد بها كنائس النصارى، فإنها هي البيع ثم قوله تعالى: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}، إما أن يكون مختصًا بالمساجد فلا يكون في ذلك إخبار بأن اسم الله يذكر كثيرًا في البيع والصوامع، وإما أن يكون ذكر اسم الله في الجميع فلا ريب أن الصوامع والبيع قبل أن يبعث الله محمدًا كان فيها من يتبع دين المسيح الذي لم يبدل ويذكر فيها اسم الله كثيرًا، وقد قيل: إنها بعد النسخ والتبديل يذكر فيها اسم الله كثيرًا وإن الله يحب أن يذكر اسمه.

وأهل الكتاب خير من المشركين، وقد ذكرنا أنه لما اقتتل فارس والروم وانتصرت الفرس ساء ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكرهوا انتصار الفرس على النصارى؛ لأن النصارى أقرب إلى دين الله - عز وجل - من المجوس، والرسل بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015