وتقليلها، وتقديم خير الخيرين على أدناهما حسب الإمكان، ودفع شر الشرين بخيرهما. فهدم صوامع النصارى وبيعهم فساد إذا هدمها المجوس والمشركون، وأما إذا هدمها المسلمون وجعلوا أماكنها مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فهذا خير وصلاح.

وهذه الآية ذكرت في سياق الإذن للمسلمين بالجهاد بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} (الحج: 39)، وهذه الآية أول آية نزلت في الجهاد ولهذا قال: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}.

ثم قال: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} فيدفع بالمؤمنين الكفار، ويدفع شر الطائفتين بخيرهما كما دفع المجوس بالروم النصارى، ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا كما قال تعالى في سورة البقرة: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالمِينَ} (البقرة: 251) (?).

الوجه الثاني: التقديم في اللفظ فإنه يكون للانتقال من الأدنى إلى الأعلى:

قال القرافي: إن هذه الآية تقتضي أن المساجد أفضل بيت عند الله تعالى، على عكس ما قالوه وتقريره أن الصنف القليل المنزلة عند الله تعالى أقرب إلى الهلاك من العظيم المنزلة، والقاعدة العربية أن الترقي في الخطاب إلى الأعلى فالأعلى أبدًا في المدح والذم، والتفخيم والامتنان، فيقال في المدح: الشجاع البطل، ولا يقال: البطل الشجاع؛ لأنك تعد راجعًا عن الأول، وفي الذم: العاصي الفاسق، ولا يقال: الفاسق العاصي، وفي التفخيم: فلان يغلب المائة والألف، ولايقال: فلان يغلب الألف والمائة، والسر في الجميع أنك تعد راجعًا عن الأول، كقهقرتك عما كنت فيه إلى ما هو أدنى منه، إذا تقرر ذلك ظهرت فضيلة المساجد ومزيد شرفها على غيرها، وأن هدمها أعظم من هدم غيرها، لا يوصل إليه إلا بعد تجاوز ما يقتضي هدم غيرها، كما نقول: لولا السلطان لهلك الصبيان والرجال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015