قال القرافي: إن الذين اتبعوه ليسوا النصارى الذين اعتقدوا فيه بأنه ابن الله، وسلكوا مسلك المتأخرين، فإن اتباع الإنسان موافقته فيما جاء به، وكون هؤلاء المتأخرين اتبعوه محل نزاع؛ بل متبعوه هم الحواريون، ومن تابعهم قبل ظهور القول بالتثليث، وأولئك هم الذين رفعهم الله في الدنيا والآخرة، ونحن منهم وهم منا، ونحن إنما نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ما كان أولئك عليه، فإن قدس الله أرواحهم آمنوا بعيسى وبجملة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين.

وكان عيسى - عليه السلام - بشَّرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به - عليه السلام -، وكذلك لما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه أربعون راهبًا من نجران، فوجدوه هو الموعود به فآمنوا به في ساعة واحدة بمجرد النظر والتأمل لعلاماته، فهؤلاء هم الذين اتبعوه، وهم المرفوعون المعظِّمون، وأما هؤلاء النصارى فهم الذين كفروا به مع من كفر، وجعلوه سببًا لانتهاك حرمة الربوبية، بنسبة واجب الوجود المقدس عن صفات البشر إلى الصاحبة والولد الذي ينفر منها أقل رهبانهم، حتى إنه قد ورد أن الله تعالى إذا قال لعيسى - عليه السلام - يوم القيامة: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (المائدة: 116) يسكت أربعين سنة خجلًا من الله تعالى حيث جعل سببًا للكفر به وانتهاك حرمة جلاله.

فخواص الله تعالى يألمون ويخجلون من اطلاعهم على انتهاك حرمة الله تعالى، وإن لم يكن لهم فيها مدخل ولا لهم فيها تعلق، فكيف إذا كان لهم فيها تعلق من حيث الجملة؟ ومن عاشر أماثل الناس ورؤساءهم، وله عقل قويم، وطبع مستقيم غير طبع النصارى أدرك هذا، فما آذى أحد عيسى - عليه السلام - ما آذته هؤلاء النصارى، نسأل الله العفو والعافية بمنه وكرمه. (?)

الوجه الثاني: بيان المعنى الصحيح للآية.

قال الطبري: يعني بذلك جل ثناؤه: وجاعل الذين اتبعوك على منهاجِك وملَّتك من الإسلام وفطرته، فوق الذين جحدوا نبوّتك وخالفوا سبيلهم من جميع أهل الملل، فكذّبوا بما جئت به وصدّوا عن الإقرار به، فمصيِّرهم فوقهم ظاهرين عليهم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015