قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، أي: بسبب هؤلاء وسبب ترك الاستكبار يصير فيهم من المودة ما يصيرهم بذلك خيرا من المشركين وأقرب مودة من اليهود والمشركين، ثم قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}.

فهؤلاء الذين مدحهم بالإيمان ووعدهم بثواب الآخرة، والضمير وإن عاد إلى المتقدمين فالمراد جنس المتقدمين لا كل واحد منهم كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} (آل عمران: 173)، وكأن جنس الناس قالوا لهم: إن جنس الناس قد جمعوا، ويمتنع العموم فإن القائل من الناس والمقول له من الناس والمقول عنه من الناس ويمتنع أن يكون جميع الناس قال لجميع الناس إنه قد جمع لكم جميع الناس ومثل ذلك قوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}، أي: جنس اليهود قال هذا، لم يقل هذا كل يهودي، ومن هذا أن في النصارى من رقة القلوب التي توجب لهم الإيمان ما ليس في اليهود وهذا حق (?).

الوجه الرابع: مدح النصارى بأنهم أقرب مودة لا يمنع أن يكونوا كفرة.

قال القرافي: وأما مدح النصارى بأنهم أقرب مودة، وأنهم متواضعون فمسلَّم، لكن هذا لا يمنع أن يكونوا كفرة مخلدين في النار وغضب الجبار؛ لأن السجايا الجليلة والآداب الكسبية تجتمع مع الكفر والإيمان، كالأمان والشجاعة، والظرف واللطف وجودة العقل. فليس فيه دليل على صحة دينهم (?).

الشبهة الثالثة: قالوا: إن القرآن رفع قدرنا وأعلى منزلتنا، ويحتجون بقوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 55).

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: من هم الذين اتبعوه؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015