قال الشوكاني: قوله: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: الذين اتبعوا ما جئت به، وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلوّ فيه إلى ما بلغ من جعله إلهًا، ومنهم المسلمون، فإنهم اتبعوا ما جاء به عيسى - عليه السلام - ووصفوه بما يستحقه من دون غلوّ، فلم يفرّطوا في وصفه، كما فرطت اليهود، ولا أفرطوا كما أفرطت النصارى. وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم. وقيل: المراد بالآية: أن النصارى الذين هم أتباع عيسى لا يزالون ظاهرين على اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم، فيكون المراد بالذين كفروا هم اليهود خاصة، وقيل: هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين، وقيل: هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح، وعلى كل حال فغلبة النصارى لطائفة من الكفار، أو لكل طوائف الكفار لا ينافي كونهم مقهورين مغلوبين بطوائف المسلمين، كما تفيده الآيات الكثيرة، بأن هذه الملة الإسلامية ظاهرة على كل الملل قاهرة لها مستعلية عليها (?).
الشبهة الرابعة: يقولون: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى على كتابنا، وفي هذا دليل على أنها لم تحرف.
ويستندون إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسك التوراة وقال: (آمنت بكِ وبمن أنزلك).
والجواب على هذه الشبهة من هذه الوجوه:
الوجه الأول: قوله (آمنت بك وبمن أنزلك) زيادة شاذة في الحديث الصحيح لا يحتج بها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَال: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهودَ فَدَعَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْقُفِّ، فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ المدْرَاسِ فَقَالوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ. فَوَضَعُوا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَال "ائْتُونِي بِالتَّوْرَاةِ". فَأُتِيَ بِهَا فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ،