عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحدٍ إلا وُكِّلَ به قرينُه من الجن، وقرينه من الملائكة. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: "وإياي، ولكن الله تعالى أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخيرٍ.، ورُوِيَ (فأَسْلَمُ) بضم الميم أي: فأَسْلَمُ أنا منه، وصحح بعضهم هذه الرواية ورَجَّحَها، ورُوِيَ (فأَسْلَمَ) يعني القرين أنه انتقل عن حال كفره إلى الإسلام فصار لا يأمر إلا بخيرٍ كالمَلَكِ، وهو ظاهر الحديث، ورواه بعضهم فاستسلم. قال القاضي أبو الفضل -وفقه الله-: فإذا كان هذا حكمَ شيطانه وقرينه المُسلَّط علي بني آدمَ فكيف بمن بَعُدَ منه وَلَمْ يَلْزَمْ صُحْبَتَهُ وَلَا أُقْدِرَ عَلَى الدُّنُوِّ مِنْهُ! (?) ثم اعلم أنه قد تقررت عصمته - صلى الله عليه وسلم - في أقواله في جميع أحواله وأنه لا يصح منه فيها خُلْفٌ، ولا اضطرابٌ في عمدٍ، ولا سهوٍ، ولا صحةٍ، ولا مرضٍ، ولا جِدٍ، ولا مزحٍ، ولا رضىً ولا غضبٍ. (?) قال أئمتنا في هذا الحديث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير معصومٍ من الأمراض، وما يكون من عوارضها؛ من شدة وجع غشيٍ ونحوه مما يطرأ على جسمه، معصومٌ أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته، ويؤدي إلى فسادٍ في شريعته، من هذيانٍ أو اختلالٍ في الكلام. (?)

قال النووي: اعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من الكذب، ومن تغيير شيءٍ من الأحكام الشرعية في حال صحته، وحال مرضه، ومعصومٌ من ترك بيان ما أُمِرَ ببيانه، وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصومًا من الأمراض، والأسقام العارضة للأجسام ونحوها مما لا نقص فيه لمنزلته، ولا فساد لما تمهد من شريعته وقد سُحِرَ - صلى الله عليه وسلم - حتى صار يُخَيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ولم يصدر منه - صلى الله عليه وسلم -. (?) فنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ في كل حالةٍ في صحته، ومر عنه لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015