وكان مسجده - صلى الله عليه وسلم - عامرًا بتلاوة القرآن يضج بأصوات الحفاظ فأمرهم - صلى الله عليه وسلم - أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا (?).
عن البياضي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن (?).
وكان كل حافظ للقرآن ينشر ما حفظه، ويعلمه للأولاد والصبيان والذين لم يشهدوا نزول الوحي، امتثالًا لأمره - صلى الله عليه وسلم -: "بَلِّغوا عني ولو آية" (?)، فشاع حفظه بين الرجال والنساء، حتى إن المرأة المسلمة كانت ترضى سورة من القرآن أو أكثر مهرًا لها، ومما ورد في ذلك حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "أتت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما لي في النساء من حاجة، فقال رجل: زوجنيها، قال: أعطها ثوبًا، قال لا أجد، قال: أعطها ولو خاتمًا من حديد، فاعتلَّ له، فقال: ما معك من القرآن؟ قال: كذا وكذا، قال فقد زوجتكها بما معك من القرآن" (?).
وخير دليل على كثرة الحفاظ في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قُتل منهم في بئر معونة المعروفة بـ "سرية القراء" سبعون رجلًا (?)، كما قُتل منهم يوم اليمامة في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - سبعون قارئًا، وذكر أبو عبيد في كتابه "القراءات" عددًا كبيرًا من القراء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر كثيرًا من المهاجرين، وكثيرًا من الأنصار، وبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (?).
وقد حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب جم غفير من الصحابة، منهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكذلك أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود،