ولعل نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا بسبب أنه يخشى على أمته من الملل، فإذا طال العمر دبَّ الوهن إلى جسم الإنسان وقد يصيبه الفتور، ولكن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
ومما يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الإسراع في القراءة خوفًا على أتباعه من الملل، ما ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" (?).
13 - حرص الصحابة على تعلم القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلاوته وتعليمه: فعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم يستقرئون من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يُخلِّفوها حتى يعلموا بما فيها من العمل، فتعلّمنا القرآن والعمل جميعًا (?).
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - إذا عجز أحدهم عن تفريغ وقت لتحصيل القرآن الكريم مباشرة من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناب عنه من يحصل عنه. فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوبُ النزولَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلتُ جئتهُ بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعلَ مثل ذلك. (?)
وكان من نتيجة ذلك أنْ كَثُرَ الحفاظ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكانوا يعرضون على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ويقرؤونه عليه، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ عليَّ، قلتُ: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان" (?).