وهذا مختص بالكتاب العزيز بخلاف سائر الكتب المنزلة، فإنه قد دخل على بعضها تلك الأشياء، ولما تولَّى الله حفظ ذلك الكتاب بقي مصونًا على الأبد، محروسًا من الزيادة والنقصان وغيرهما، وفيه دليل على أنه مُنزّل من عنده آية إذ لو كان من البشر لتطرق إليه الزيادة والنقصان كما يتطرق إلى كل كلام سواه، وقيل: المعنى نزله محفوظًا من الشياطين، وقيل: حفظه بأن جعله معجزة باقية إلى آخر الدهر، وقيل: حفظه من المعارضة، فلم يقدر أحد من الخلق أن يعارض ولو بأقصر آية.
وقيل: أعجز الله الخلق عن إبطاله وإفساده بوجه من الوجوه، فقيض له العلماء الراسخين يحفظونه، ويذبون عنه إلى آخر الدهر، لأن دواعي جماعة من الملاحدة واليهود متوفرة على إبطاله وإفساده، فلم يقدروا على ذلك بحمد الله. ومن أسباب حفظه حدوث العلوم الكثيرة الآلية التي تذب عن الدخول في أبواب إفساده، وإبطاله، وتحريفه، وتصحيفه، وزيادته، ونقصانه كالصرف والنحو والمعاني والبيان وأصول الحديث والفقه والتفسير، وغير ذلك مما له مدخل في هذا الشأن.
وعن عياض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تعالى: وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاء (?). (?)
قال الرازي: وفيه مسائل:
المسألة الثانية: الضمير في قوله: {لَهُ لَحَافِظُونَ} إلى ماذا يعود؟ فيه قولان:
القول الأول: أنه عائد إلى الذكر، يعني: وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وقال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].