نستطيع إذهاب آيات القرآن من صدور مئات آلاف المسلمين، وليست عائشة وحدها عندها أوراق من القرآن، ولم تكن من كتبة الوحي المتخصصين في كل آية تنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن حزم: وهذا حديث صحيح، وليس هو على ما ظنوا؛ لأن آية الرجم إذ نزلت حفظت، وعرفت، وعمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه لم يكتبها نساخ القرآن في المصاحف، ولا أثبتوا لفظها في القرآن. وقد سأله عمر بن الخطاب ذلك كما أوردنا، فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: فأكلها الداجن، ولا حاجة بأحد إليها، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق، وبرهان هذا أنهم قد حفظوها كما أوردنا، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم.
فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ كما أُمر، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، وقال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].
فصح أن الآيات التي ذهبت لو أُمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبليغها لبلَّغها، ولو بلَّغها لحُفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته - صلى الله عليه وسلم - كل ما بلغ فقط من القرآن، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ، أو بلغه فأنسيه هو والناس أو لم ينسوه، لكن لم يأمر عليه السلام أن يُكتب في القرآن، فهو منسوخ بيقين من عند الله تعالى لا يحل أن يضاف إلى القرآن (?).
الثاني: تفسير أهل العلم لمعنى الحفظ في الآية.
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} وهو القرآن {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه، والهاء في قوله: (لَهُ) من ذكر الذكر.