روى هذا الحديث بعينه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن)، إلى أن قال: "وألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق. ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق (?).
قال السرخسي: وحديث عائشة لا يكاد يصح؛ لأنه قال في ذلك الحديث: وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل داجنٌ البيتَ فأكله، ومعلوم أن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذر عليهم إثباته في صحيفة أخرى؛ فعرفنا أنه لا أصل لهذا الحديث". (?)
وقال أيضًا: أما حديث عائشة - رضي الله عنها - فضعيف جدًا؛ لأنه إذا كان متلوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونسخ التلاوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز فلماذا لا يتلى الآن؟ ! وذُكر في الحديث (فدخل داجن البيت فأكله)، وهذا يقوي قول الروافض الذين يقولون: كثير من القرآن ذهب بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يثبته الصحابة - رضي الله عنهم - في المصحف وهو قول باطل بالإجماع (?).
قال ابن حزم: وقد غلط قوم غلطًا شديدًا، وأتوا بأخبار ولَّدها الكاذبون والملحدون، منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة.
إلى أن قال: وهذا كله ضلال نعوذ بالله منه ومن اعتقاده، وأما الذي لا يحل اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فمن شك في هذا كفر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين، ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن؛ حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر، ومحال ممتنع؛ لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حافظًا له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه، فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنسيه، فسواء أكله الداجن أو تركه قد