إنها تتلقى أمر الله، وتنفذه وتخضع له وتسير وفقه.
إنها مسخرة تتلقى وتستجيب، وتمضي حيث أمرت كما يمضي الأحياء في طاعة الله.
ومن هنا يهتز القلب البشري وينساق للاستجابة والطاعة في موكب الأحياء المستجيبة المطيعة، فلها أوامر، وله أوامر.
فإذا رأى الناس هذه المخلوقات العظيمة، والمشاهد الحية في الكون، وتجلى لهم خضوع هذه الخلائق الهائلة، وعبوديتها لخالقها، وطاعتها لأمره، توجهوا إلى ربهم الذي لا رب غيره، ودعوه في إنابة وخضوع: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)} [النور: 41، 42].
فمن رزقه الله هذا النظر وهذا الفكر وهذا التأمل زاد إيمانه، وصلح يقينه، وحسنت أعماله، وأقبل على الطاعات، ونفر من المعاصي، وخلصت حياته لربه، واشتغل بعبادة مولاه، وحقق مراد الله منه بالطاعة والعبادة كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162، 163].
والإيمان بالله وتقواه متصل بواقع الحياة، وما بعد الحياة، مؤهل لفيض بركات السماء والأرض كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)} [الأعراف: 96،97].
والإيمان بالله دليل على حيوية في الفطرة، وسلامة في أجهزة الاستقبال، وصدق في الإدراك الإنساني.
والإيمان بالله قوة دافعة دافقة، تجمع جوانب الكائن البشري كله، وتتجه به إلى وجهة واحدة، تستمد من قوة الله، وتعمل لتحقيق مشيئة الله في خلافة الأرض وعمارتها، ودفع الفساد والفتنة عنها.