هذا الاستسلام الشامل لرب العالمين هو الذي يمثل معنى الإيمان، ويعطيه طعمه وحلاوته.

وهذه العبودية هي التي تحقق معنى الإسلام.

وهذا ما يجب أن يستقر في القلب قبل التكليف والأمر .. وقبل الشعائر والشرائع .. إنه معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله .. والانسجام مع الكائنات في التلذذ بعبادته وطاعته .. فكلها ساجدة لربها .. خاضعة لعظمته .. مستكينة لعزته .. مطيعة لأمره .. لأنه الرب المعبود .. والملك المحمود.

فمن عدل عن عبادته إلى عبادة ما سواه، فقد أهان نفسه، وضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} [الحج: 18].

إن خالق هذا الكون العظيم المشهود في ضخامته وفخامته، والذي استعلى على هذا الكون يدبره بأمره، ويصرفه بقدره، يقلب الليل والنهار، والذي جعل الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، هو ربكم الذي أنزل لكم منهجه، وشرع لكم بإذنه، ويقضي بينكم بحكمه، وأنزل إليكم أحسن كتبه، وأرسل إليكم أفضل رسله، وله الخلق والأمر: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54].

والله تبارك وتعالى كما أنه لا خالق معه فكذلك لا آمر معه.

إن المخلوقات والكائنات كلها في العالم العلوي والعالم السفلي: من سماء وأرض .. وملائكة وأرواح .. وشمس وقمر .. وليل ونهار .. وجماد ونبات .. وطير وحيوان .. وماء وتراب .. وجبال وبحار .. ورياح وذرات.

كل هذه المخلوقات تعاطف البشر وتشاركهم حركة الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015