ومنهم من حفظ كلام الزهاد وأحاديثهم في ذم الدنيا، فيؤدونها للناس من غير إحاطة بمعانيها، ومن غير أن يحفظ الواحد منهم ظاهره وباطنه عن الآثام ظناً منه أن كلام أهل الدين يكفيه، فما أشد غرور هؤلاء؟.
ومنهم من استغرق أوقاته في سماع الحديث، وجمع الروايات الكثيرة منه، وطلب الأسانيد الغريبة العالية، فهمة أحدهم أن يدور في البلاد، ويرى الشيوخ ليقول أنا أروي عن فلان، وما أكثر ما يحمل من الأحاديث ولا يعمل به، وينشغل بجمع الروايات ويغفل عن معرفة علاج القلب والعمل بما جمع.
ومنهم من اشتغل بعلم اللغة والنحو واغتروا به، وزعموا أنهم من علماء الأمة إذ قوام الدين بالكتاب والسنة، وقوام الكتاب والسنة بعلم اللغة والنحو، فأفنى هؤلاء أعمارهم في دقائق النحو واللغة، وكان يكفيهم أن يتعلموا أصل الخط بحيث يمكن أن يقرأ والباقي زيادة.
الصنف الثاني: أرباب العبادة والعمل، والمغرورون منهم أصناف:
فمنهم من غروره في الصلاة .. ومنهم من غروره في تلاوة القرآن .. ومنهم في الحج .. ومنهم في الغزو .. ومنهم في الزهد، وكل مشغول بمنهج من مناهج العمل، وليس خالياً من الغرور إلا الأكياس، وقليل ما هم.
فمنهم فرقة أهملوا الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل.
ومنهم من غلبت عليه الوسوسة في نية الصلاة، فلا يدعه الشيطان يعقد نية صحيحة، بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة، ويخرج الصلاة عن وقتها.
ومنهم من يصوم ولا يحفظ لسانه عن الغيبة، وخاطره عن الرياء، وبطنه عن الحرام عند الفطر والسحور.
ومنهم من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينسى نفسه.
ومنهم من زهد في المال، وقنع من اللباس بالدون، ومن المسكن بالمسجد، وظن أنه أدرك رتبة الزهاد وهو مع ذلك راغب في الرياسة والجاه إما بالعلم أو بالوعظ ونحوهما.