يرى أن باعثه الحرص على إظهار دين الله ونشر شريعته، ولعل باعثه الخفي هو طلب الذكر وانتشار الصيت في الأطراف، وانطلاق الألسنة عليه بالثناء والمدح بالزهد والورع والعلم، والرحلة إليه من الأطراف، والاجتماع حوله للاستفادة ونحو ذلك، ومنهم من اشتغل بالكلام ومجادلة أهل الأهواء وهم فرقتان: ضالة، ومحقة، فالضالة تدعو إلى غير السنة .. والمحقة هي التي تدعو إلى السنة.
والغرور شامل لجميعهم.
أما الضالة: فلغفلتها عن ضلالها وظنها بنفسها النجاة.
وأما المحقة: فاغترارها من حيث أنها ظنت بالجدل أنه أهم الأمور، وأفضل القربات في دين الله، وزعمت أنه لا يتم لأحد دينه ما لم يفحص ويبحث ويجادل.
فلهذا الظن الفاسد قطعت أعمارها في تعلم الجدل، وأهملوا أنفسهم وقلوبهم حتى عميت عليهم ذنوبهم وخطاياهم الظاهرة والباطنة، وقلدهم غيرهم ممن تعلم على أيديهم.
ومنهم من اشتغل بالوعظ والتذكير، وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق النفس، وصفات القلب من الخوف والرجاء، والمحبة واليقين والإخلاص، والصبر والشكر ونحوها، وأكثرهم مغرور؛ لأنهم يظنون أنهم إذا تكلموا بها فقد صاروا موصوفين بها، وهم عند الله منفكون عنها.
وغرور هؤلاء أشد الغرور؛ لأنهم يعجبون بأنفسهم غاية الإعجاب.
ومنهم من عدل عن المنهاج الواجب في الوعظ، فاشتغلوا بالطامات والشطح، وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل طلباً للإغراب.
ومنهم من اشتغل بطيارات النكت والمضحكات، وسجع الألفاظ وتلفيقها وغرضهم أن تكثر في مجالسهم الزعقات والضحكات.
فهؤلاء شياطين الإنس قد ضلوا وأضلوا.