وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين مع إكبابهم على المعاصي، وانهماكهم في الدنيا وإعراضهم عن الله، زاعمين أنهم واثقون بكرم الله وعفوه.
فهؤلاء يضعون الطمع موضع الخوف، إن أحسن أحدهم قال: يتقبل مني، وإن أساء قال: يغفر الله لي فهو الكريم المنَّان، فما أجهل هؤلاء بتخويفات القرآن.
وأهل الغرور أربعة أصناف:
الأول: أهل العلم.
ومن هؤلاء من أحكم العلوم الشرعية وتعمق فيها، وأهمل تفقد الجوارح، وحفظها من المعاصي، وإلزامها الطاعات، واغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان، وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغاً لا يعذب الله مثلهم.
ومنهم من أحكم العلم والعمل فواظبوا على الطاعات، وتركوا المعاصي، لكنهم لم يتفقدوا قلوبهم ليمحوا عنها الصفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد، والرياء، وطلب الرياسة، والعلو، وطلب الشهرة في البلاد والعباد.
فهؤلاء زينوا ظواهرهم وأهملوا بواطنهم، ونسوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُم» أخرجه مسلم (?).
ومنهم من علم أن هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشرع إلا أنهم لعُجْبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون عنها، وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بها، وإنما يبتلى بها العوام دون من بلغ مبلغهم من العلم والعمل.
ومنهم من أحكم العلم والعمل، وطهر النفس من الأخلاق الذميمة، ولكنهم بعد مغرورون، إذ بقيت في زوايا القلب من خفايا مكايد الشيطان ما بقي مما لم يفطن له.
فترى العالم يسهر ليله ونهاره في جمع العلوم وترتيبها، وتحسين ألفاظها، وهو