فلا يحصل في الآخرة ثواب وأجر إلا بعمل صالح، فسنة الله في عباده كل نفس بما كسبت رهينة، فما الذي غركم بالله بعد أن سمعتم وعقلتم؟ {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)} ... [الملك: 10، 11].
وموضع الرجاء المحمود في أمرين:
أحدهما: في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة، فقنطه الشيطان من رحمة الله، فيجب هنا أن يقمع القنوط بالرجاء بأن الله يغفر الذنوب جميعاً، وأنه كريم يقبل التوبة من كل مذنب.
فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج، وإن توقع المغفرة مع الإصرار على المعصية فهو مغرور.
الثاني: أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال، ويقتصر على الفرائض، فيرجِّي نفسه نعيم الله تعالى، وما وعد به الصالحين، حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة فيقبل على الفضائل.
فالرجاء الأول يقمع القنوط المانع من التوبة، والرجاء الثاني يقمع الفتور المانع من النشاط والتشمر.
فكل توقع حث على توبة أو على تشمر في العبادة فهو رجاء، وكل رجاء أوجب فتوراً في العبادة وركوناً إلى البطالة فهو غرور.
فالخوف والرجاء قائدان وسائقان يبعثان الناس على العمل .. فما لا يبعث على العمل فهو تمنٍّ وغرور .. ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم .. وسبب إقبالهم على الدنيا .. وسبب إعراضهم عن الله تعالى .. وإهمالهم السعي للآخرة.
وقد كان المسلمون في القرن الأول يواظبون على العبادات، ويبالغون في التقوى والحذر من الشبهات، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون: 60، 61].