الأولى عليه، نعمة خلقه في هذه الصورة السوية، على حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة شاء، ولكنه سبحانه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة وهو لا يشكر ولا يقدر، بل يغتر ويستكبر.
يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك، ما الذي غرك بربك الكريم فجعلك تستكبر عن الإيمان به، وتعرض عن طاعته، وتقصر في حقه، وتتهاون في أمره، ويسوء أدبك في جانبه، وهو ربك الكريم الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره، ومن هذا إنسانيتك التي تميزك عن سائر خلقه.
أغرك علمه وحلمه؟ .. أم غرتك نعمه وآلاؤه؟ .. أم غرك جهلك بربك؟ ..
إنه نداء وخطاب يهز كل ذرة في كيان الإنسان، وربه يعاتبه هذا العتاب الجميل، ويذكره هذا الجميل، بينما هو سادر في التقصير، سيء الأدب في حق مولاه، الذي خلقه فسواه.
إن خلق الإنسان على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة الكاملة الشكل والوظيفة أمر يستحق التدبر الطويل، والشكر العميق، والأدب الجم، والحب لربه الكريم الذي أكرمه بهذه الخلقة تفضلاً منه ورعاية منه.
وإن الجمال والسواء والاعتدال لتبدو في تكوين الإنسان الجسدي، وفي تكوينه الروحي، وفي تكوينه العقلي.
فسبحان: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} [السجدة: 7، 8].
وإنه ما من خلق حادث مهما كان إلا وفيه نقص يصغره، وما يقال عن خلق من خلق الله كبير، أو أمر من الأمور كبير، أو عمل من الأعمال كبير، حتى يتضاءل بمجرد أن يذكر الله الكبير المتعال.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ... [الجاثية: 36، 37].