{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7].
ولو فوض الله إليه أمره، وأدام له الوجود باختياره وأكمله، لجاز أن يطغى وينسى المبدأ والمنتهى، ولكن الله سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة، والأسقام العظيمة، والآفات المختلفة، شاء أم أبى، لا يأمن في لحظة من ليله أو نهاره أن يُسلب سمعه أو بصره أو عقله أو ماله، أو تُختطف روحه، ويُسلب جميع ما يهواه في دنياه، فهو مضطرب مضطر ذليل، عاجز فقير، لا يقدر على شيء من نفسه، ولا شيء من غيره.
فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه؟.
وأنى يليق به الكبر لولا جهله؟
فهذا هو العلاج العلمي القامع لأصل الكبر.
وأما العلاج العملي فيكون بالتواضع لله بالفعل، ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، وينظر كل ما يتقاضاه الكبر من الأفعال المذمومة فليواظب على نقيضه حتى يصير التواضع له خلقاً، فإن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعاً.
والكبر بالعلم أعظم الآفات، وأغلب الأدواء، وأبعدها عن قبول العلاج إلا بشدة شديدة، وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله، عظيم عند الناس، وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما، بل لا قدر لهما أصلاً إذا كان معهما علم وعمل، فللعلم طغيان كطغيان المال.
ولذا يعجز العالم عن أن لا يستعظم نفسه بالإضافة إلى الجاهل، لكثرة ما نطق الشرع بفضائل العلم.
ولا يقدر العالم على دفع الكبر إلا بأمرين:
أحدهما: أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد، وأنه يُّحتمل من الجاهل ما لا يُّحتمل عشره من العالم، فإن من عصى الله عن معرفة وعلم فجنايته أفحش، إذا لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم.