الضلال: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)} [الملك: 23].
وإنما أكمل النعمة عليه ليعرف بها ربه، ويعلم بها عظمته وجلاله، وأنه لا يليق الكبرياء إلا به جلَّ جلاله.
ثم بعد ذلك يسلب الله هذا الإنسان روحه وسمعه وبصره، وعلمه وقدرته وماله وحسه وإدراكه وحركته فيعود جماداً كما كان أول مرة، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة، كما كان أول نطفة مذرة، ثم يصير رميماً ورفاتاً يأكله الدود، ثم يصير روثاً في أجواف الديدان، وجيفة يهرب من نتنه الحيوان ويستقذره كل إنسان.
وأحسن أحواله أن يعود تراباً يعمل منه البنيان، وتصنع منه الكيزان، فيصير مفقوداً بعد أن كان موجوداً.
وليته بقي كذلك فما أحسن الحال لو كان تراباً، بل يحييه الله بعد طول البلى ليقاسي شديد البلاء، فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه، ويخرج إلى أهوال يوم القيامة فينظر إلى سماء مشققة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة، وأحوال مظلمة، وملائكة غلاظ شداد، ونار مسعرة، وجنة عالية، وصحائف منشورة فيها عمله، فينقطع قلبه، ويتمزق فؤاده من هول ما رأى في صحيفته من المخازي والكبائر فيقول: {يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 49].
فمن كان هذا بدؤه .. وهذه أحواله .. وهذا آخر أمره .. فمن أين له البطر والكبرياء، والفخر والخيلاء، وهو على التحقيق أخس الأخساء، وأضعف الضعفاء؟.
وما لمن هذه حاله والتكبر والتعظم؟.
بل ما له وللفرح في لحظة واحدة فضلاً عن البطر والأشر والكبر؟.
ولكن هذه عادة الخسيس إذا رفع من خسته شمخ بأنفه وتعظم كما قال سبحانه: