ولما كان المشرك خبيث العنصر، خبيث الذات، لم تطهر النار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثاً كما كان، كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه، فلذلك حَرَّم الله على المشرك الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
ولما كان المؤمن الطيب مبرءاً من الخبائث كانت النار حراماً عليه، إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره بها، فيحفظه ويوصله إيمانه إلى الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} ... [الكهف: 107 - 108].
فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، رب العالمين، وأحكم الحاكمين.
والجزاء من جنس العمل كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ الله تَعَالَى: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» متفق عليه (?).
ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ولا تزال المسألة بالرجل حتى يجيء يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وإذا تقرب العبد إلى ربه بالنوافل التي يحبها الله أحبه الرب، فكان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، فبه يسمع، وبه يبصر، وبه يمشي.
والله عزَّ وجلَّ وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير، وذلك لأن تعليم الناس الخير يخرجهم من الظلمات إلى النور، والجزاء من جنس العمل ولهذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحق الناس بكمال هذه الصلاة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56].