ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)} [محمد: 34].

والعقوبات التي أنزلها الله في الأرض بقيت آثاراً سارية في الأرض تطلب ما يشاكلها من الذنوب، فهذه الآثار في الأرض من آثار العقوبات، كما أن هذه المعاصي من آثار الجرائم، وكان العظيم من العقوبة للعظيم من الجناية، والأخف للأخف: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)} [النمل: 69].

وكل من أعرض عن دين الله وشرعه قارنه الشيطان عقوبة له، والشيطان إذا قارن العبد واستولى عليه نزعت البركة من عمره ورزقه، وقوله وعمله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} ... [الزخرف: 36 - 37].

ولما أثرت طاعة الشيطان في الأرض ما أثرت نزعت البركة من كل محل ظهرت فيه طاعته، وكذلك سكنه لما كان في الجحيم لم يكن هناك شيء من الروح والرحمة والبركة.

فكم يحصل للعبد المعرض عن ربه من الشرور والآثام بسبب مقارنة الشيطان له: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)} ... [النساء: 38].

وإذا اتصف قلب الإنسان بالمكر والخديعة، والفسق والبلادة، وانصبغ بذلك صار صاحبه على خلق الحيوان الموصوف بذلك من القردة والخنازير، والكلاب والحمير، حتى يبدو على صفحات وجهه بدواً خفياً، ثم يصير ظاهراً على الوجه، ثم يقوى حتى يقلب الصورة الظاهرة كما قلب الصورة الباطنة، يرى ذلك من له فراسة تامة عقوبة من الله.

فقلّ أن ترى مكاراً وخداعاً إلا على وجهه مسحة قرد .. وقل أن ترى رافضياً إلا على وجهه مسحة خنزير .. وقل أن ترى شرهاً نهماً إلا على وجهه مسحة كلب.

فالظاهر مرتبط بالباطن.

وإذا استحكمت الصفات المذمومة في النفس قويت على قلب الصورة الباطنة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015